المواطنة كما أسسها "محمد" صلى الله عليه وسلم


. محمد عمارة : بتاريخ 5 - 3 - 2007
عندما بدأت العلاقات بين سلطة الدولة الإسلامية الأولى ـ دولة المدينة المنورة ـ على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبين المتدينين بالنصرانية ـ نصارى نجران سنة 10 هجريا ـ قررت لهم الدولة الإسلامية – بالعهود الدستورية الموثقة ـ كامل المساواة مع المواطنين المسلمين في حقوق المواطنة وواجباتها ...وكان الشعار ـ الذي وضع في الممارسة والتطبيق هو : " لهم ما المسلمين وعليهم ما على المسلمين ، وعلى المسلمين ما عليهم ، حتى يكونوا للمسلمين شركاء فيما لهم وفيما عليهم " ..فتأسست المواطنة ـ وحقوقها وواجباتها على الشريعة الإسلامية ، وبضمانة هذه الشريعة ..أي أنها غدت فرائض وواجبات وضرورات إسلامية وليست مجرد حق من حقوق الإنسان يمنحها حاكم ويمنعها آخرون ! ...ولقد نص هذا العهد الذي كتبه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لنصارى نجران ، على عمومه لكل من يتدين بدين النصرانية عبر الزمان والمكان ...ونص ـ قبل أن تعرف الإنسانية أية مواثيق لحقوق الإنسان ، وللمساواة في المواطنة ـ على " أن لنجران وحاشيتها ، وسائر من ينتحل النصرانية في أقطار الأرض جوار الله في ذمة محمد رسول الله على أموالهم وأنفسهم وملتهم .. وبيعهم ، وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير .. ، وأذب عنهم وعن كنائسهم وبيعهم وبيوت صلواتهم ..ومواضع الرهبان .. وأن أحرس دينهم وملتهم أين كانوا بما أحفظ به نفسي و خاصتي وأهل الإسلام من ملتي ..لأني أعطيتهم عهد الله على أن لهم ما للمسلمين ، وعليهم ما على المسلمين ، وعلى المسلمين ما عليهم ، حتى يكونوا والمسلمين شركاء فيما لهم وفيما عليهم "وعندما أباح الإسلام زواج المسلم بالكتابية ـ اليهودية والنصرانية ـ أسس ذلك على شرط ومبدأ احترام المسلم لعقيدتها الدينية لأنه يعترف بهذه العقيدة ، ومكلف باحترام حرية الاعتقاد لأصحابها ..فهذا الزواج يجعل غير المسلم جزءا من الأسرة وأولي الأرحام ..ولذلك قرر عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ للنصارى ضرورة تأسيس هذا الزواج على رضا الأهل والأسرة كما هو حاله بين المسلمين ...وجاء في هذا "العهد الدستوري" :" ولا يحملون من النكاح ـ"الزواج" ـ شططا لا يريدونه ، ولا يكرهون أهل البنت على تزويج المسلمين ...لأن ذلك لا يكون إلا بطيبة قلوبهم ...إن أحبوه ورضوا به ...وإذا صارت النصرانية عند المسلم فعليه أن يرضي بنصرانيتها ، ويتبع هواها في الإقتداء برؤسائها والأخذ بمعالم دينها ، ولا يمنعها ذلك ، فمن خالف ذلك وأكرهها على شيء من أمر دينها فقد خالف عهد الله وعصى ميثاق رسوله ، وهو عند الله من الكاذبين "..وقد علق الإمام محمد عبده على هذه السماحة الإسلامية ـ غير المسبوقة ـ فقال: " لم يفرق الدين في حقوق الزوجية بين الزوجة المسلمة والزوجة الكتابية ، ولم تخرج الزوجة الكتابية ، باختلافها في العقيدة مع زوجها من حكم قوله تعالى : {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } (الروم :21) فلها حقها من المودة ونصيبها من الرحمة وهي كما هي ...وهو يسكن إليها كما تسكن إليه ، وهو لباس لها كما أنها لباس له ، وهي منه بمنزلة البعض من الكل ، وألزم له من .الظل ، وصاحبته في العز والذل والترحال وريحانة نفسه ، وأميرة بيته ، وأم بناته و بنيه ، تتصرف فيهم كما تتصرف فيه ..وهذه المصاهرة مع أهلها تحدث الموالاة والمناصرة بين الأولاد وأخوالهم وذوي القربى لوالدتهم فتقوم روابط الألفة بين المسلم وغير المسلم بهذا التسامح غير المسبوق ولا الملحوق
".

ليست هناك تعليقات: