في أيام الضياع المعلوماتي كما أسميها و هي من وجهة نظري ما قبل 97 حيث لم يكن هناك أنترنت و كانت الحكومة تسيطر علينا بعمليات غسيل مخ محكمة عن طريق 3 قنوات تلفزيونية و 3 جرائد حكومية و لو ماحدش بعتلنا جواب من برة مش هانعرف لو الدنيا كلها غرقت.
و كان الأعلام الحكومي يخرج علينا كل فترة بعبارة ( —– التاريخي) و يمكنك عزيزي اللي بتقرالي أن تضع أحد الكلمات التالية مكان النقاط : الرئيس , اليوم , الخطاب, الأفتتاح ,اللقاء.
حيث أنها تصف أي فعلة للسيد رئيس الجمهورية –أسم الله على مقامه- بكلمة التاريخية. حتى اصبحنا نستخدمها في العامية لوصف أي شئ بطريقة فيها سنة تريقة. زي ما واحد يجي لابس بدلة شكلها يضحك و نقوله دي بدلة تاريخية.
و لم يعرف أبناء جيلي ممن حضروا نقل سوق روض الفرج التاريخي و نفق الجيزة التاريخي و يوم أن غطوا ترعة الزمر في احتفال تاريخي معنى هذه الكلمة بحق قبل يوم 14 يناير2011.
يوم ان رأينا بأعيننا و لأول مرة شعب يقود ثورته بلا دفعة من المعارضة اللي ما لهاش لازمة و بلا نخبة صدعت دماغنا كل يوم بالكلام عن الحريات و هم بيقبضوا من الحكومة و لا نتيجة لعوامل خارجية ولا أي حاجة.
شعب قال كفاية بجد مش على الانترنت و لا في قهاوي وسط البلد. اللي قاموا ناس عادية شباب قرف من الظلم و الفساد. عمال و جمهور كورة و عاطلين عن العمل شالوا ديكتاتور أسواء بكتير من اللي بالي بالكم.
لأول مرة في اليوم ده أشوف ثورة بعيني بعد ما قريت و سمعت عن الثورات. و لأول مرة فهمت المعنى الحقيقي لعبارة يوم تاريخي بلا أي تزويق في الكلمة.
اثبت الشعب التونسي للدكتاتوريات العربية ان الكرسي مش دايم . و أن بائع متجول شال أسواء ديكتاتور فيكم. و أنكم هاتتطردوا واحد واحد. و كل الحكومات الغربية اللي على سمن و عسل معاكم هاتقلكم أنا أسفة ,شفولكم حتة تلمكم.
و ماحدش ها يرضى بيكم غير حكومة السعودية التي تجمع السافحين في أراضيها من أول عيدي أميين سفاح أوغندا الأول الى أخيرا زين الفاسدين .
مش قادر أعبر عن فرحتي لشعب تونس الرجالة كلهم اللي أعطوا لكل البؤساء العرب و غير العرب الأمل. و علمونا أن عصر المعجزات و الثورات مانتهاش.
و مش عايز الناس تخاف على تونس و تقول لسه الحرية ماكتملتش و النظام هو هواه بس الأسامي أتغيرت. علشان الشعب اللي مرة وحدة بس أتنفس الحرية و عرف انه بأيده و بإرادته بس ها يحصل عليها مش ممكن يسيبها تضيع منه تاني.
أخيرا في حياة جيلي البائسة لقيت حاجة أفتخر إني عايشتها و هافضل أتذكر تفاصيلها و أسجلها علشان أحكي لأولادي عن اليوم التاريخي (الأصلي).
شكرا يا توانسة , و عقبالكم يا مصريين.